جورج بكاسيني

18 نيسان 2019 | 00:00

كتب جورج بكاسيني

تقشّف جزئي وطوعي أم قاسٍ وقسري؟

من التقاليد المتوارثة أن اللبنانيين يدفعون غالباً ثمن التأخّر في مواجهة الحقائق، في السياسة كما في الاقتصاد كما في الاجتماع. يتناوبون على تحميل بعضهم البعض مسؤولية أي خطأ، ولا يتوافقون إلا عندما تصبح المصيبة جماعية.



منذ أكثر من ربع قرن طُرح على الطاولة اقتراح خصخصة الكهرباء لمعالجة مشكلة انقطاع التيّار ومعها آفة العجز في الموازنة، فقامت القيامة وانقسمت القوى السياسية ولم تتّفق على حلّ مشترك لهذه المعضلة الا بعد تكبّد الخزينة ما يزيد عن أربعين مليار دولار.



ومنذ أكثر من ربع قرن أيضاً أثيرت مشكلة حجم القطاع العام وضرورة ترشيقه وتصغير حجمه، خصوصاً بعد أن تحولّت الموازنة السنوية للدولة إلى "موازنة رواتب" في الجزء الأكبر منها، ولم تتّفق القوى السياسية على مواجهة مشتركة لهذه المعضلة إلا بعد أن أصبحت الدولة على شفير الإفلاس.



إنها واحدةٌ من قواعد العمل السياسي في لبنان، لكن "أن تصل متأخراً أفضل من أن لا تصل أبداً". فلا ريب أن ما هو مطروح من إجراءات تقشّفية اليوم في مالية الدولة عموماً إنما يصيب اللبنانيين بقدر من الأذى أصاب معظم شعوب العالم في حقبات معينة لمواجهة أزمات اقتصادية ومالية، أما عدم اللجوء الى مثل هذه الاجراءات – التي لا تزال أساساً عبارة عن اقتراحات- فنتيجته الحتمية كارثة.



سألت خبيراً اقتصادياً كيف يمكن تبسيط صورة هذه الاجراءات، وسط البلبلة التي أثيرت من حولها قبل أن تصبح قرارات جاهزة للتنفيذ، فأجاب بإختصار شديد: المطروح اليوم "تقشّف جزئي وطوعي لتجنّب تقشّف قاسِ وقسري".



كيف؟



يوضح الخبير:



بداية يوحي اللغط الدائر حول هذه الاجراءات والتي لم يجرِ إقرار أي منها حتى الساعة، وكأن المستهدف بها أصحاب الدخل المحدود، في حين أن ما أثير من إقتراحات حتى اليوم إستهدف الجميع، من أعلى الهرم إلى أسفله، باستثناء أصحاب الدخل المحدود.



كما أن إجراءات التقشّف لا تستهدف رواتب موظفي القطاع العام وحسب وإنما كل بنود الموازنة، وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة في حال إقرار هذه الاقتراحات. مع العلم ان من بين الاقتراحات التي تجري مناقشتها إجراء "تجميد مؤقت"  لـ 15 بالمئة من الزيادة على رواتب موظفي القطاع العام وليس على الرواتب كما تردّد، لا يشمل ذوي الدخل المتدني.



إذاُ من المبكر الحديث عن قرارات وهي لمّا تزل اقتراحات قيد الدرس، ومن المبكر أيضاً الاحتجاج على اقتراحات لم تخرج الى النور بعد، فكم بالحري اذا كانت هذه الاحتجاجات مبنيّة على شائعات أو معطيات منقوصة مثل استهداف أصحاب الدخل المحدود.



ويختم الخبير أن ما هو مطروح لايعني فئة من اللبنانيين وإنما الجميع، بدءاً من الرؤساء الوزراء والنواب وصولاً الى موظفي القطاع العام والهدر في الادارات والمؤسسّات وكل وجوه الخلل أو التبذير في الهبات والمساعدات والسفر وغيرها.



"من ساواك بنفسه ما ظلمك".


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

18 نيسان 2019 00:00