18 آب 2019 | 00:00

كتب خيرالله خيرالله

معركة إيران... في العراق

معركة إيران... في العراق

بعد ما يزيد على ستة عشر عاما، ما زالت معركة العراق مستمرّة. يمكن القول ان ‏معركة ايران هي في العراق، بل مستقبل النظام في ايران في العراق الذي اختارت ‏إدارة جورج بوش الابن تقديمه على صحن من فضّة الى "الجمهورية الإسلامية". ‏لا يزال القرار الاميركي المتخذ في العام 2002، وربّما قبل ذلك لغزا. لماذا ‏اختارت إدارة جورج بوش الابن الذهاب الى العراق في ردّها على احداث الحادي ‏عشر من أيلول – سبتمبر 2001، أي على غزوتي واشنطن ونيويورك اللتين يقف ‏خلفهما الإرهابي أسامة بن لادن؟

لا وجود الى الآن لجواب عن هذا السؤال الذي كلّف الولايات المتحدة الكثير. ‏قررت اميركا اجتياح العراق قبل الانتهاء من حرب أفغانستان معقل "طالبان" ‏و"القاعدة" في الوقت ذاته. قررت خوض حربين دفعة واحدة. في السنة 2019، ‏هناك مأزقان اميركيان. الاوّل في أفغانستان والآخر في العراق. لم تجد إدارة ‏ترامب امامها سوى التفاوض مع "طالبان" من اجل الحدّ من خسائرها في ‏أفغانستان. اما بالنسبة الى العراق، فهي تكتشف يوما بعد يوم انّ ايران تغلغلت فيه ‏اكثر بكثير مما يعتقد وان النسيج الاجتماعي العراقي الذي ما زال يقاوم الاستعمار ‏الايراني يخسر يوميا المواجهة مع الميليشيات المذهبية التي ترعاها "الجمهورية ‏الإسلامية". هذه الميليشيات التي دخل زعماؤها بغداد في 2003  على ظهر دبّابة ‏أميركية‎...‎

من ينتصر في العراق الذي يقف حاليا امام ثلاثة خيارات: العراق العراقي، العراق ‏الايراني، العراق الاميركي، مع ما يعنيه ذلك من نفوذ اقليمي للولايات المتحدة التي ‏اعتقدت ان مجرّد اسقاط نظام صدّام حسين في  نيسان – ابريل من العام 2003، ‏سيؤدي الى قيام نظام ديموقراطي يتسم بالتعددية يكون نموذجا لما يفترض ان تكون ‏عليه كلّ دولة من دول المنطقة؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في وقت كشف الانفجار الذي وقع يوم الثاني ‏عشر من آب – أغسطس الجاري في معسكر "صقر" جنوب بغداد انّ الكفّة في ‏الداخل العراقي بدأت تميل لمصلحة ايران. هناك بكلّ بساطة تغطية رسمية عراقية ‏لـ"الحشد الشعبي". بغض النظر عمّا اذا كان وراء الانفجار في معسكر "صقر" ‏ارتفاع درجة الحرارة او سوء توضيب الصواريخ والذخيرة... او ضربة إسرائيلية ‏او أميركية، تبيّن انّه بات من الصعب الفصل بين مؤسسات الدولة العراقية و"الحشد ‏الشعبي". شيئا فشيئا يتحول العراق الى نظام شبيه بنظام "الجمهورية الإسلامية ‏التي أسسها آية الله الخميني. في أساس هذا النظام الايراني "الحرس الثوري" الذي ‏صار في العراق شبيه له هو "الحشد الشعبي". ليس "الحشد الشعبي" سوى ‏مجموعة من الميليشيات التابعة لاحزاب عراقية موالية لإيران. اكثر من ذلك، ‏معظم هذه الميليشيات شارك في الحرب العراقية -الايرانية التي استمرّت ثماني ‏سنوات من الجانب الايراني. عراقيون حاربوا بلدهم. هكذا بات مطلوبا ان يكون ‏عليه العراقي في هذه الايّام، أي ان يقدم انتماءه المذهبي على كلّ ما عداه وذلك ‏خدمة للمشروع التوسّعي الايراني بكلّ ابعاده‎.‎

بعد ستة عشر عاما على الاجتياح الاميركي للعراق، تحصد الولايات المتحدة ما ‏زرعته. تحصد وجودا لـ"كتائب جند الامام" و"كتائب سيّد الشهداء" في معسكر ‏‏"صقر" الذي يفترض مبدئيا ان يكون تابعا لوزارة الداخلية العراقية‎.‎

قبل اشهر قليلة، ظهرت بوادر رفض عراقي للهيمنة الايرانية. لا يزال هناك في ‏عمق المجتمع العراقي، بما في ذلك الاوساط الشيعية، ما يشير الى رفض ‏للاستعمار الايراني. لكنّ الذي بوضوح هو ان الوقت يعمل لمصلحة ايران التي ‏يخوض نظامها معركة حياة او موت في العراق. عمليا، تأكد امران من خلال ‏التصرّفات الايرانية في العراق. الاوّل عمق الاختراق الايراني لمؤسسات الدولة ‏العراقية والآخر غياب المناعة لدى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حيال ‏الطموحات الايرانية. اكثر من ذلك، نشهد اليوم نوعا من الحيرة الاميركية بالنسبة ‏الى ما يجب عمله في العراق. هناك عقوبات أميركية حقيقية بدأ يظهر مفعولها في ‏ايران، لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان العراق تحول الى رئة لإيران التي تقاوم ‏العقوبات عبر العراق‎.‎

ربّما كان آخر دليل على ذلك الموقف الذي اتخذته الحكومة العراقية عبر ما يسمّى ‏‏"قيادة العمليات المشتركة" التي اجتمعت بعد يومين من انفجار معسكر "صقر" ‏برئاسة عادل عبد المهدي وقررت حظر كل أنواع الطيران غير العراقي في ‏الأجواء العراقية. القرار موجّه الى الإدارة الاميركية التي تخشى الحكومة العراقية ‏ان تكون وراء الضربة التي وجهت الى معسكر "صقر". يعكس هذا الموقف الذي ‏اتخذه رئيس الوزراء العراقي رغبة في مراعاة ايران وادواتها العراقية، في مقدّمها ‏‏"الحشد الشعبي". هل سيكون هناك ردّ فعل أميركي ام ان إدارة ترامب لن تكون ‏مختلفة كثيرا عن إدارة باراك أوباما في ما يخص العراق وستتجاهل اهمّية العراق ‏بالنسبة الى ايران؟

من الواضح ان ايران اعتمدت سياسة هجومية في العراق. من الواضح اكثر ان ‏الإدارة الاميركية لا تمتلك الى الآن سياسة عراقية واضحة. لو لم يكن الامر كذلك، ‏لما خذلت الاكراد عندما قرروا الذهاب بعيدا في اجراء استفتاء على استقلال ‏كردستان العراق في الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر 2017. كان ذلك قبل ‏سنتين. لا يزال الاكراد يعانون الى اليوم من عدم مطابقة حساباتهم للحسابات ‏الاميركية التي صبّت في النهاية في مصلحة ايران‎.‎

قبل سنة ونصف سنة أجريت انتخابات تشريعية في العراق. خرج مقتدى الصدر ‏منتصرا من تلك الانتخابات. لا وجود حاليا لايّ ترجمة لهذا الانتصار. هناك ‏انتصار إيراني لا اكثر بعدما نجحت طهران في منع حيدر العبادي من تشكيل ‏حكومة جديدة وجاءت ببديل منه هو عادل عبد المهدي‎.‎

امام إدارة ترامب حاليا فرصة كي تظهر انّها مختلفة عن إدارة باراك أوباما. مكان ‏اظهار ذلك في العراق حيث تخوض ايران معركة كبيرة. ما لا يمكن تجاهله ان ‏الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الايراني كانت من العراق. بعد العام 2003. ‏الأكيد انّه لا يمكن تجاهل الأدوات الايرانية، لا في سوريا ولا في لبنان ولا في ‏اليمن، لكنّ الأكيد أيضا ان العراق في غاية الاهمّية بالنسبة الى ايران، خصوصا ‏بعدما ثبت ان "الجمهورية الإسلامية" تتنفس حاليا من الرئة العراقية‎.‎

ما الذي ستفعله إدارة ترامب التي تمتلك روية متكاملة للدور الايراني في المنطقة ‏وللخطر الذي يمثله هذا الدور. ثمة حاجة الى سياسة أميركية واضحة في العراق لا ‏اكثر ولا اقلّ بعيدا كل الاعذار التي تساق بين حين وآخر عن الامل لم يفقد بعد ‏بوجود رغبة لدى الحكومة العراقية في اصلاح ما يمكن إصلاحه على صعيد ‏علاقاتها العربية، خصوصا مع دول الخليج‎...‎

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 آب 2019 00:00